فمما خص الله به الإنسان من النعم العظيمة، والآلاء الجسيمة، نعمةُ اللسان
التي أقدره بها على البيان عن مكنونات نفسه، وحاجاته وأغراضه، وهي نعمة
كبيرة النفع والأثر إن هي سخرت في جوانب الخير ومناحيه، وعظيمة الخطر
والضر، متى أضاع الإنسان أمانتها التي استودعه الله إياها.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. وبعد:
فمما خص الله به الإنسان من النعم العظيمة، والآلاء الجسيمة، نعمةُ اللسان التي أقدره بها على البيان عن مكنونات نفسه، وحاجاته وأغراضه، وهي نعمة كبيرة النفع والأثر إن هي سخرت في جوانب الخير ومناحيه، وعظيمة الخطر والضر، متى أضاع الإنسان أمانتها التي استودعه الله إياها.
عِظم أمر اللسان وخطورته:
باللسان ينطق المرء شهادة الإسلام، فيكون من أهل السعادة والإيمان، وباللسان ينطق كلمة الكفر -عياذاً بالله- فيخلع نفسه عن ربقة الإسلام. وباللسان يكسب المرء حسنات تملأ ما بين السماء والأرض، وباللسان يخسر حسنات أمثال الجبال. وباللسان ينعقد البيع والشراء، وبه يفسخ وينحل. وباللسان تدخل المرأة عصمة الرجل، وبه تنحل رابطتهما. والكلمة الكاذبة تهدم البيوت، وتمزق أواصر الأسر، وتفك عرى الأخوة. بها ترمى عفيفة بريئة، وتقذف محصنة، ويتهم بريء. وكلمة واحدة تقتل حياً، وأخرى تحيي ميتاً.
الكلمة الواحدة تدمر الأخضر واليابس، وتشعل الحرائق بين الأفراد والأسر والمجتمعات، رب حرب كان وقودها جثث وهام، أهاجها قبيح الكلام ، ورب كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} . وأعصى الأعضاء على الإنسان اللسان، وأكثر خطايا ابن آدم في اللسان. فكم كلمة سلبت نعمة، وجلبت على صاحبها نقمة، ومتى خرجت لم يمكن استردادها، وصعبٌ تدارك خطرها؛ الملائكة كتبوا، والناس سمعوا، وآخرون علقوا وشرحوا، وزادوا ونقصوا، ومَن خرجت من لسانه الكلمة، هو وحده الذي يتحمل جميع التبعات.
وباللسان يعلو قدر العبد عند الله، فيكون من أهل الجنان، وبه يهون قدره، فيكون من أهل النيران، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم. فعن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه» . وفي صحيح البخاري في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في إسرائه ومعراجه: «..وأتاه ملكان، فمروا على رجل مستلق على قفاه، وآخر قائم عليه بكلوب من حديد، فإذا هو يأتي أحد شقي وجهه، فيشرشر شدقه ومنخره وعينه إلى قفاه، ثم يفعل بالشق الآخر كذلك، فما يفرغ منه حتى يعود الجانب الأول صحيحا، فيرجع إليه فيشرشره كما فعل في المرة الأولى، فقال الملكان للنبي صلى الله عليه وسلم هذا كذاب يكذب الكذبة، فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به هكذا إلى يوم القيامة» .
استقامة اللسان من خصال الإيمان:
واستقامة اللسان من خصال الإيمان، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه» .
ملاك الأمر في حفظ اللسان:
وملاك الأمر في حفظ اللسان، فعن معاذ رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأركان الإسلام، وجملة أمور أخرى ثم قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟» قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه قال: «كف عليك هذا»، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم». فضبط اللسان وكفه، أصل كل خير، ومن ملك لسانه، فقد ملك أمره وأحكمه وضبطه. وعن أبي سعيد الخدري، رفعه قال: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا» . يقول يونس بن عبيد: "ما رأيت أحدا لسانه منه على بال، إلا رأيت ذلك صالحا في سائر عمله" .
أقسام الكلام من حيث نفعه وضرره:
والكلام أربعة أقسام: قسم هو ضرر محض، وقسم هو نفع محض، وقسم فيه ضرر ومنفعة، وقسم ليس فيه ضرر ولا منفعة
فأما الذي هو ضرر محض: فلا بد من السكوت عنه، وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة لا تفي بالضرر. وأما ما لا منفعة فيه ولا ضرر: فهو فضول، والاشتغال به تضييع زمان، وهو عين الخسران. فلا يبقى إلا القسم الرابع، فقد سقط ثلاثة أرباع الكلام، وبقي ربع، وهذا الربع فيه خطر إذ يمتزج بما فيه إثم من دقيق الرياء والتصنع والغيبة وتزكية النفس وفضول الكلام امتزاجاً يخفى دركه، فيكون الإنسان به مخاطرًا . ولهذا نفى الله تعالى الخير عن كثير من كلام الناس فقال: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} .
فصل ما بين محمود الكلام ومذمومه:
لم يتعبد الله عباده بلزوم الصمت مطلقا، فليس الكلام مأمورًا به على الإطلاق، ولا السكوت كذلك، فعن علي رضي الله عنه قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا صمات يوم إلى الليل» . فلا بد من الكلام في الخير، والسكوت عن الشر، وإن كانت السلامة في الصمت أكثر منها في الكلام، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صمت نجا» . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت» . وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» . وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع» . وقال سفيان الثوري: "ليس الورع في السكوت، لكن أن تتكلم فتعطي لكل ذي حق حقه".
مأثور أخبار السلف في مجاهدة النفس على حفظ اللسان:
كثيرًا ما مدح الصالحون الصمت عن الشر وعما لا يعني، وسجلوا مواقف تروى في مجاهدتهم لأنفسهم على ذلك، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان" . ورئي ابن عباس رضي الله عنهما قائماً بين الركن والمقام آخذاً بثمرة لسانه وهو يقول: "ويحك قل خيراً تغنم، أو أمسك عن سوء تسلم" فقيل له: "يا ابن عباس، ما لك آخذا بثمرة لسانك؟" قال: "إنه بلغني أن العبد ليس على شيء من جسده بأحنق منه على لسانه يوم القيامة" . وقال الفضيل بن عياض: "ما حج ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان" . وقال أيضا: "أعرف من يعُد كلامه من الجمعة إلى الجمعة". وقال مورق العجلي: "أمرٌ أنا في طلبه منذ عشرين سنة فلم أقدر عليه، ولست بتارك طلبه أبدًا"، قالوا: "وما هو يا أبا المعتمر؟" قال: "الصمت عما لا يعنيني" .
ثناء الله على المؤمنين بطهارة ألسنتهم، وعظيم ما أعد لهم من الجزاء:
أثنى الله تعالى على صفوة خلقه بطهارة ألسنتهم من اللغو، ووعدهم على ذلك أجراً عظيماً، فقال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} ، وذكر تعالى جملة من صفاتهم الأخرى، ثم ذكر جزاءهم فقال: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ . الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} . وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [24]. وذكر تعالى جزاءهم بعد ذكر باقي صفاتهم فقال: أُولَئِكَ {يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا . خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} .
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه، أضمن له الجنة» . وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام وصلى والناس نيام» .
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. وبعد:
فمما خص الله به الإنسان من النعم العظيمة، والآلاء الجسيمة، نعمةُ اللسان التي أقدره بها على البيان عن مكنونات نفسه، وحاجاته وأغراضه، وهي نعمة كبيرة النفع والأثر إن هي سخرت في جوانب الخير ومناحيه، وعظيمة الخطر والضر، متى أضاع الإنسان أمانتها التي استودعه الله إياها.
عِظم أمر اللسان وخطورته:
باللسان ينطق المرء شهادة الإسلام، فيكون من أهل السعادة والإيمان، وباللسان ينطق كلمة الكفر -عياذاً بالله- فيخلع نفسه عن ربقة الإسلام. وباللسان يكسب المرء حسنات تملأ ما بين السماء والأرض، وباللسان يخسر حسنات أمثال الجبال. وباللسان ينعقد البيع والشراء، وبه يفسخ وينحل. وباللسان تدخل المرأة عصمة الرجل، وبه تنحل رابطتهما. والكلمة الكاذبة تهدم البيوت، وتمزق أواصر الأسر، وتفك عرى الأخوة. بها ترمى عفيفة بريئة، وتقذف محصنة، ويتهم بريء. وكلمة واحدة تقتل حياً، وأخرى تحيي ميتاً.
الكلمة الواحدة تدمر الأخضر واليابس، وتشعل الحرائق بين الأفراد والأسر والمجتمعات، رب حرب كان وقودها جثث وهام، أهاجها قبيح الكلام ، ورب كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} . وأعصى الأعضاء على الإنسان اللسان، وأكثر خطايا ابن آدم في اللسان. فكم كلمة سلبت نعمة، وجلبت على صاحبها نقمة، ومتى خرجت لم يمكن استردادها، وصعبٌ تدارك خطرها؛ الملائكة كتبوا، والناس سمعوا، وآخرون علقوا وشرحوا، وزادوا ونقصوا، ومَن خرجت من لسانه الكلمة، هو وحده الذي يتحمل جميع التبعات.
وباللسان يعلو قدر العبد عند الله، فيكون من أهل الجنان، وبه يهون قدره، فيكون من أهل النيران، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم. فعن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه» . وفي صحيح البخاري في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في إسرائه ومعراجه: «..وأتاه ملكان، فمروا على رجل مستلق على قفاه، وآخر قائم عليه بكلوب من حديد، فإذا هو يأتي أحد شقي وجهه، فيشرشر شدقه ومنخره وعينه إلى قفاه، ثم يفعل بالشق الآخر كذلك، فما يفرغ منه حتى يعود الجانب الأول صحيحا، فيرجع إليه فيشرشره كما فعل في المرة الأولى، فقال الملكان للنبي صلى الله عليه وسلم هذا كذاب يكذب الكذبة، فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به هكذا إلى يوم القيامة» .
استقامة اللسان من خصال الإيمان:
واستقامة اللسان من خصال الإيمان، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه» .
ملاك الأمر في حفظ اللسان:
وملاك الأمر في حفظ اللسان، فعن معاذ رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأركان الإسلام، وجملة أمور أخرى ثم قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟» قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه قال: «كف عليك هذا»، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم». فضبط اللسان وكفه، أصل كل خير، ومن ملك لسانه، فقد ملك أمره وأحكمه وضبطه. وعن أبي سعيد الخدري، رفعه قال: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا» . يقول يونس بن عبيد: "ما رأيت أحدا لسانه منه على بال، إلا رأيت ذلك صالحا في سائر عمله" .
أقسام الكلام من حيث نفعه وضرره:
والكلام أربعة أقسام: قسم هو ضرر محض، وقسم هو نفع محض، وقسم فيه ضرر ومنفعة، وقسم ليس فيه ضرر ولا منفعة
فأما الذي هو ضرر محض: فلا بد من السكوت عنه، وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة لا تفي بالضرر. وأما ما لا منفعة فيه ولا ضرر: فهو فضول، والاشتغال به تضييع زمان، وهو عين الخسران. فلا يبقى إلا القسم الرابع، فقد سقط ثلاثة أرباع الكلام، وبقي ربع، وهذا الربع فيه خطر إذ يمتزج بما فيه إثم من دقيق الرياء والتصنع والغيبة وتزكية النفس وفضول الكلام امتزاجاً يخفى دركه، فيكون الإنسان به مخاطرًا . ولهذا نفى الله تعالى الخير عن كثير من كلام الناس فقال: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} .
فصل ما بين محمود الكلام ومذمومه:
لم يتعبد الله عباده بلزوم الصمت مطلقا، فليس الكلام مأمورًا به على الإطلاق، ولا السكوت كذلك، فعن علي رضي الله عنه قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا صمات يوم إلى الليل» . فلا بد من الكلام في الخير، والسكوت عن الشر، وإن كانت السلامة في الصمت أكثر منها في الكلام، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صمت نجا» . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت» . وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» . وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع» . وقال سفيان الثوري: "ليس الورع في السكوت، لكن أن تتكلم فتعطي لكل ذي حق حقه".
مأثور أخبار السلف في مجاهدة النفس على حفظ اللسان:
كثيرًا ما مدح الصالحون الصمت عن الشر وعما لا يعني، وسجلوا مواقف تروى في مجاهدتهم لأنفسهم على ذلك، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان" . ورئي ابن عباس رضي الله عنهما قائماً بين الركن والمقام آخذاً بثمرة لسانه وهو يقول: "ويحك قل خيراً تغنم، أو أمسك عن سوء تسلم" فقيل له: "يا ابن عباس، ما لك آخذا بثمرة لسانك؟" قال: "إنه بلغني أن العبد ليس على شيء من جسده بأحنق منه على لسانه يوم القيامة" . وقال الفضيل بن عياض: "ما حج ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان" . وقال أيضا: "أعرف من يعُد كلامه من الجمعة إلى الجمعة". وقال مورق العجلي: "أمرٌ أنا في طلبه منذ عشرين سنة فلم أقدر عليه، ولست بتارك طلبه أبدًا"، قالوا: "وما هو يا أبا المعتمر؟" قال: "الصمت عما لا يعنيني" .
ثناء الله على المؤمنين بطهارة ألسنتهم، وعظيم ما أعد لهم من الجزاء:
أثنى الله تعالى على صفوة خلقه بطهارة ألسنتهم من اللغو، ووعدهم على ذلك أجراً عظيماً، فقال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} ، وذكر تعالى جملة من صفاتهم الأخرى، ثم ذكر جزاءهم فقال: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ . الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} . وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [24]. وذكر تعالى جزاءهم بعد ذكر باقي صفاتهم فقال: أُولَئِكَ {يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا . خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} .
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه، أضمن له الجنة» . وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام وصلى والناس نيام» .



0 التعليقات:
إرسال تعليق